بعيداً عن الحب من أوّل نظرة وعن الغرام وآهاته، بدأت الزيجات المبنية على العقل تعود إلى الواجهة من جديد وخاصة مع تزايد حالات الطلاق في المجتمع، بل إنّ الزمن أثبت أن مقارنة بين زيجات القلب وحده تبين أن زيجات العقل وإن شابها الملل أكثر صلابة وأطول عمراً من زيجات القلب وحده. يكتسب زواج العقل بين الشباب من الجنسين سمعة سيِّئة، إذ يعتقد أغلبهم أنّه زواج فاشل أو زواج غير سعيد، لكن الأخصائيين يقولون غير ذلك، حيث يشيرون إلى أن زواج العقل يدوم أكثر مقارنة بالزواج القائم على الحب وحده متجاهلاً حسابات العقل، هو ينجح خاصة لدى من يتزوجون للمرة الثانية أو أكثر. وعدا عن تدخل الأهل واختيارهم لبناتهم شريك الحياة الأنسب، أو لأبنائهم بنت الحلال الأنسب، فإنّ الكثيرين يختارون، بمحض إرادتهم، أن يتزوجوا شخصاً بعينه لأسباب منطقية دون أن يكونوا مغرمين به. - لماذا؟ يقول عالم النفس والأنثروبولوجيا الفرنسي فيليب برونو، مؤلف كتاب "الزوجان كاختراع" (دار "أوديل جاكوب"، 2001): "بعض الناس يختارون زواج العقل مضطرين، إما لأسباب عاطفية وإما لأسباب تتعلق بنمط حياتهم. يجدون أنّ السنين تمر من دون أن يعثروا على فارس الأحلام أو على فتاة الأحلام، فيفضلون أن يتنازلوا عن بعض الشروط التي حلموا بها، ومنها شرط العشق المتبادل، لكي ينعموا بالتكافؤ الاجتماعي أو الثقافي والحنان ودفء الحياة الزوجية". هناك سبب آخر يدفع إلى زواج العقل حسب أخصائي نفسي آخر هو جاك أنطوان مالارويتز، مؤلف كتاب "إعادة التفكير في مفهوم الزوجين" (دار "روبير لافونت" 2001)، حيث يقول: "في عصرنا الحالي يعم مناخ من القلق وعدم الاطمئنان إلى المستقبل وعدم الاستقرار الاقتصادي، ما جعل الشباب يعودون إلى التمسك بمفهوم الأسرة الذي نبذه البعض في العقود الأخيرة في مجتمعات بعينها، خاصة مع انتشار الطلاق في هذه المجتمعات، عاد الشباب إلى الاعتراف بالأسرة كقيمة مهمة يمكن أن تحميهم من المخاطر الاقتصادية والاجتماعية المحيطة. لهذا، بدأوا اللجوء إلى زواج مخطط له وقائم على حسابات منطقية، وذلك بحثاً عن الدوام والاستقرار والدفء الأسري". من جهة أخرى، هناك من يتزوج شخصاً من دون أن يكون واقعاً في غرامه بالضرورة، لأنّه يعرف أنّ الطرف الآخر لديه ما يقدمه له من حماية وأمان مادي. تقول نجلاء (45 سنة، وهي ربة بيت وأُم لثلاثة أطفال): "كنت قد أنجبت للتو طفلي الأصغر عندما جاء زوجي السابق ليخبرني أنّه يحب امرأة أخرى، ويريد أن يطلق. أصبت باكتئاب، ووجدت صعوبة في توفير الاحتياجات اليومية لأطفالي بعد طلاقي. ذات يوم، عندما كنت مدعوة إلى عشاء لدى صديقتي، كان بين الحضور رجل أعجب بي من أوّل نظرة، على الرغم من أنني لم ألحظ وجوده، وتقدم لخطبتي، على الرغم من أن صديقتي وزوجها أخبراه كل شيء عن ظروفي،. لم أتردد كثيراً في القبول به زوجاً، مع أني لم أكن أحمل تجاهه أي مشاعر، كل ما قلته لنفسي: "هذا الرجل سوف يساعدني على تربية أولادي" وقد كان ذلك". - حب أقل.. ملل أكثر؟ لكن، أي مستقبل ينتظر اثنين تزوجا من دون أن يربطهما الحب؟ سيلفي تينيمبان أخصائية نفسية متخصصة في مشاكل الزوجين، ترد على هذا السؤال بالقول: "إنّ هناك احتمالاً بدرجة ما في الزواج بلا حب أن يشعر أحد الطرفين على الأقل بالملل بعد سنوات من الزواج ويبدأ في البحث خارج الزواج عن شيء من الحب". لكن، ليس من الضروري أن كل الزيجات التي تمت بلا حب مسبق بين الزوجين تنتهي بالفشل، بل هناك احتمال آخر بأنّه بعد سنوات من العشرة الطيبة والاستقرار، تنشأ علاقة متينة بين الزوجين تجعل الزواج ناجحاً. تقول داليا (36 سنة): "في البداية، كان زواجي مبنياً على الحسابات المنطقية والعقل. أمّا اليوم، وبعد سنوات من الزواج، فتكونت أحاسيس جميلة جدّاً بيننا والحب واحد منها. لهذا، أشكر الله كل يوم لأنّه وضع هذا الرجل في طريقي". بدوره، يقول جاك أنطوان ماليرفيتش: "نجاح زواج العقل يعتمد على ما نقصده بكلمة "العقل"، إذ يجب الا نخلط بين العقل والآلة الحاسبة. فالأعزب الذي يبحث فقط عن امرأة ثرية، أو المرأة التي تبحث فقط عن أب لأبنائها، أو ذلك الذي يتزوج فقط لكي يكمل صورته في المجتمع، كلهم استخدموا عقولهم لكي يجدوا أسبابا للزواج، لكنهم لم يستخدموا عقولهم بطريقة منطقية ليتوصلوا إلى أسباب معقولة، بل شغلوا عقلهم كما لو كان آلة حاسبة". - أهمية التجربة: وعلى خلاف من يتبع الحسابات، هناك من يتبع المنطق السليم، والمنطق السليم يتطلب أن يكون الإنسان ناضجاً. يقول ماليرفيتش: "يتوافر النضج غالباً عند الشخص الذي خرج من زواج فاشل وهو مقبل على زواج ثان أو ثالث أو غيره. في هذه الحالة، يكون الشخص قد استفاد من الأخطاء التي وقع فيها في تجربته السابقة ويريد أن يدخل في علاقة زواج تكون مستقرة ودائمة أكثر، حتى وإن وفرت له قدراً أقل من الحب والمشاعر الجيّاشة، يريد علاقة رصينة ومتعقلة تقوم على مجموعة من المكتسبات والخبرات السابقة. وقد أثبتت تجارب عديدة أن هذا النوع من الزيجات يكون متيناً وينجح أكثر من الزيجات التي تقوم على عماد هش وهو الأحاسيس التي تتقلب بسهولة، ألم يقولوا قديماً "الحب هو منطق المحبين"؟ يضيف: "يعتقد المحبون، الذين وقعوا في الحب من النظرة الأولى ثمّ عاشوا أحاسيس غامرة، أنّه مادام لديهم الحب فإنّهم سيتغلبون على كل شيء، ويتزوجون. ولكن، ما إن تمر بضعة أشهر على الزواج حتى تتراجع الأحاسيس إلى الوراء لكي تحل محلها انشغالات وتحديات ومشاكل ومسؤوليات الزواج. لهذا، إن لم يتسلح الزوجان بالمنطق والتكافؤ إلى جانب الحب، فإنّ الزواج يتحول إلى مغامرة فاشلة. في هذه الأثناء، تكون الشهور والسنون قد قربت الزوجين اللذين تزوجا زواج العقل، تقرباً من بعضهما بعضاً، وتكون الخبرات والمشاكل التي مرا بها معاً وتغلّباً عليها بحكمتهما قد ألفت بينهما ووحدتهما أكثر". وتقول سيلفي أنجيل (أخصائية نفسية متخصصة في مشاكل الأزواج): "لاحظت عبر حياتي العملية أن عدداً كبيراً من الزيجات التي يقال عنها إنها زيجات عقل تحولت مع الوقت إلى زيجات عن حب مليئة بالمشاعر والأحاسيس الجميلة، وخاصة بعد عشر سنوات من الزواج".
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق
تعليقات
ميزان
أولا لا يوجد شيء اسمه حب من أول نظرة ولا من آخر نظرة إنما ذلك وهم و خيال تم الترويج له من خلال الإعلام و باستخدام بعض القصص الواردة بالتراث الأدبي. و مستحيل أن رجلا يحب امرأة أو بالعكس حبا حقيقيا صادقا مالم يجمعهما سقفا واحد و لفترة طويلة و بذلك تبلى السرائر و تظهر مزايا و بلايا كل طرف للطرف الآخر. أما العلاقة الزوجية الناجحة فتعتمد على مقدار المساحة التي يفرغها كل طرف من نفسه و أنانيته لصالح الطرف الآخر . و كلما كبرت تلك المساحة زادت فرص النجاح و الألفة . و مفاتيح التخلي عن الأنانية هي الثقة و الصبر و التغاضي و حسن الظن و عدم انتظار المعاملة بالمثل ويكون ذلك كله لوجه الله و لا نريد منكم جزاء و لا شكورا.